الأربعاء، 18 مايو 2011

الخط العربي





الخط العربي
أشكال تقليديّة أم ابتكارات حديثة



تستند أشكال حروف الأبجدية العربية إلى منطلقات فكرية وجمالية منسجمة مع قواعد الخط العربي وأصوله، وتجسّد جماليات تقاليد الحرف العربي الخطية لغة تشكيلية تنهل من مميزاته الكتابية باعتباره أحد أبرز المقوّمات التراثية في حضارتنا.
ما أبرز التغييرات التي طرأت على هذا الفن الحروفي أو فن الخط العربي، وكيف يمكن توظيف التقنيات التشكيلية الحديثة في تطويره؟ 




«الجريدة» استطلعت آراء مجموعة من الخطاطين.
نظراً إلى تنوّع المدارس والانتماءات الخطية، تتباين وجهات النظر حول فن الخط العربي، إذ يرفض التقليديون التغيرات التي طرأت على واقعه مشددين على أنها تشوّه جماليات الحرف. في المقابل، يدأب الحداثيون على مزج الخط العربي مع الفنون البصرية والتشكيلية الحديثة.

يقدّم الخطاط جمال الراشد اتجاهاً مختلفاً في الخط العربي بهدف تبيان إيجابيات مزج الفنون الأخرى مع فن الحروفيات، وقد برز ذلك واضحاً في أحدث معارضه الفنية. ويرى أن شكل لوحاته والتقنية التي استخدمها في أحدث تجاربه يعدان نقلة نوعية في مشواره مع الخط العربي.

يعزو الراشد سبب البحث عن أشكال جديدة للخط العربي، إلى وجود فجوة في تطوّر الخط العربي أحدثها عدم مواكبة الأشكال القديمة والتراثية التطوّرات التي طرأت على الحياة، مشيراً إلى أنه ابتكر تقنية جديدة عنوانها «مدرسة الحوسني للفن الإسلامي»، مزج فيها الخط والزخرفة والأرقام.

يضيف الراشد: «اعتمدت في لوحاتي على الزخرفة والطباعة وعلى شكل الخط بالقدر نفسه، بحيث يستطيع المتلقّي قراءة محتواها من اليمين إلى اليسار والعكس، بينما تبدأ قراءة لوحات الخطوط الأخرى من اليمين إلى اليسار بشكل دائري».

ثوابت شكليّة


يشير الخطاط فريد العلي إلى أن ثمة أنواعاً كثيرة للخط العربي من بينها: النسخ، الثلث، الشكسته وغيرها، مؤكداً على ضرورة الإلمام بالثوابت الفكرية والقضايا الفلسفية لدى توظيف الخط العربي في اللوحة.

من جهة أخرى، تشكّل ثوابت الحرف العربي الشكليّة في لوحات خطّاب بنية متماسكة تستمدّ قيمة كيانها الجمالي من قدسيّة القرآن الكريم، ويوضح في هذا المجال أن هذه المعطيات لا تتيح لغير الخطاطين التعرّف إلى لغة القرآن.

يضيف العالي أن ليس كل فنان تشكيلي خطاطاً بالمعنى الحقيقي يتقن قواعد الخط العربي وأصوله، «ثمة تشكيليون استخدموا الخط العربي كدلالة تشكيلية ورمزية تعبّر عن نزعة ذاتية للفنان وليس بالضرورة أن ينتمي محتوى اللوحة إلى مدرسة الخط العربيّ».

يرى العلي أن الخطّ العربي يستمدّ عراقته من مفهوم الأصالة في الفكر العربي من خلال الحفاظ على التقاليد المغروسة في السلوك والفكر والقيم، لذلك يحرص الخطاطون على تعليم قواعد هذا الفن للنشء الجديد.






أشكال متجانسة


في السياق نفسه، يعتبر الخطاط محمد الشيخ الفارسي أن استخدام تقنيات متنوّعة في لوحاته يساهم في إرضاء أذواق المتلقّين على اختلافها، وأن هذا التنوع يصبّ في صالح مشروع الفنان، وأن المزج بين الخط العربي وأنواع الفنون الأخرى يثري تجربة الخطاط، لا سيما عندما يقدّم أشكالاً متجانسة من الناحية الفنية ومقبولة لدى الجمهور والنقاد.

يضيف الفارسي: {ابتكرت تقنية جديدة في تجربتي الجديدة محاولاً إدخال الحروفيات في الرسم بالأبيض والأسود مستعيناً بالمرأة كتيمة رئيسة لهذا الموضوع، كذلك عمدت إلى التجريب في التشكيل مستخدماً أكثر من تقنية فنية في آن، خصوصاً أن طبيعة الفن تقوم على تنوّع المشارب وتباين الأفكار».

في تجربة مختلفة، يستفيد الفنان وسام الحداد من الخط العربي مقتدياً بمفاهيم ثقافية إسلامية، ذلك عبر تكوينات عالية الجودة من البناء الفني والنسق البنيوي توزّعت على خامات من السراميك والخزف والطين، فتعانقت حروفيات الحداد مع قطع الخزف ومواد أخرى عبر تكوينات لونية تلائم جماليات الشكل والمضمون.

يحرّر الحداد أفكاره من السياق النمطي والأساليب المتكررة، مبتكراً جداريات ومجسّمات من الخزف، تبرز فيها جماليات توظيف الألوان في الخط العربي، نابعة من مخزونه المعرفي والثقافي واختزال تجاربه في مشاريع مبتكرة، متكئاً على رؤى أكاديمية ونظريات لغوية في التقنية، تستند على وجود ارتباط وثيق بين اللغة والكتابة.

دلالات صوفيّة


يرى الرسام التشكيلي الجزائري حمزة بونوّه أن الرسم هو نتيجة حالة إبداعية روحية تعكس تأثير البيئة الدينية والروحية التي نشأ فيها الفنان، معتبراً أن محتوى اللوحة يلخّص اندماج الفنان مع ذاته من خلال مفرداتها.

يقدّم بونوّه تجربة مختلفة في مجال الحروفيات مستبدلاً الأشكال الفنية المعتادة في اللوحة الحروفية العربية بظلال وتكوينات لونية تحمل دلالات صوفية، اكتسبها نتيجة خبرته في مجال الخط العربي، مشدداً على أن الإبداع يحطّم أسوار التقليدية شرط ألا يساهم الشكل الإبداعي في تشويه ثوابت فن الخط العربي.

من جهته، يؤكد الخطاط علي البداح أن الفنان هو ابن بيئته وعصره الذي يعيش فيه، مشيراً إلى أن عمله يعكس قناعاته التي يؤمن بها، مستغرباً عدم انسجام قناعة الفنان مع أفكار الجمهور، متسائلاً من هم الذين يريد هذا الفنان مخاطبتهم؟

يضيف البداح: «في الحقيقة ثمة فنانون تشكيليون يتبنّون أسلوباً غربياً بعيداً عن ثقافتنا، لذلك يصعب على الجمهور فهم فنّهم أو تقبّله، كذلك الأمر بالنسبة إلى الخطاطين الذين ينقلون التصاميم الهندسية من حقب سابقة كانت رائجة ومفهومة من الجمهور آنذاك لكنها تعدّ، راهناً، رموزاً غير مرغوب فيها».

يتابع البداح: {امتدّ فن الخط العربي على طول رقعة العالم الإسلامي من الصين في أقصى الشرق إلى بلاد الأندلس في أقصى الغرب وتنوّعت أساليبه بحيث أصبحت بقاع معينة في الغرب تشتهر بأنواع لم تكن تُستخدم في الشرق والعكس صحيح، كذلك تأثرت أمم كثيرة غير عربية بجمال فنّ الخط، لكن من دون أن تنسلخ عن ثقافاتها التي قد تختلف عن ثقافتنا العربية، فألغت حروف لغاتها واستعاضت عنها بالحروف العربية، فانعكس ذلك على إنتاج خطاطيها سواء بأشكال هندسية أو غيرها قد لا تكون مفهومة لغير المتخصّص». 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق